المنافسة الخيرية في الدعوة بجمهورية غينيا كوناكري بين
المنظمات الإسلامية وبين المنصرين
(قراءة في أسباب الإخفاق
وعوامل النجاح)
د. كوناتي
موسى عمر من غينيا كوناكري.
أستهل مقالي بحمد رب العالمين مصليا على المصطفى خير الورى وعلى أله وعترته
نجوم الهدى ومصابيح الدجى أما بعد، فأقول بأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه
وسلم قد حثا في غير ما نصوص على فعل الخير وأخبرا عما يكون لمن ينفق في سبيلهما من
الأجر والثواب العظيم.
واستجابة لهذه الدعوة الربانية
والنبوية نرى الميسورين من أصحاب الخير من أقصى العالم يفدون إلى جمهورية غينيا
كوناكري ليس للسياحة وإنما لنجدة إخوانهم المسلمين المعوزين بمال الله الذي آتاهم،
مبتغين به وجهه ومرضاته سبحانه، غير منتظرين ممن يساعدونهم جزاء ولا شكورا(إنما
نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) الآية. فيسخرون ثراءهم لبناء بيوت
الله في بلاد لا يزال الوثن معبودا من دون الله في الكهوف والمغارات، بل ويكفلون
الأيتام والأرامل ويحفرون الآبار ويشيدون المراكز لحفظ كتاب الله، ويقدمون الإفطار
والأضاحي خدمة لمجتمع مسلم محتاج –فلله درهم-
ولكن الأسى الذي يدمي القلب
ويحزن الضمير فعلا هو أن الأموال الخيرية التي يتبرع بها أولئك الراحمون من بلاد
إسلامية مختلفة وتحديدا من دول الخليج-جزاهم الله خيرا- قد لا تصل إلى المستفيدين
على الوجه المرغوب فيه، وإن وصلت إليهم أيضا فقد لا تصرف على الوتيرة التي تحقق
غاية المتبرع، وقد لا يكون هذا ولا ذاك أحيانا والله المستعان.
ويحاول هذا المقال أن يعالج قضية
دينية خطيرة باتت المشاريع الخيرية ضحيتها، وتتجسد في ظاهرة اختلاس الأموال
الخيرية، يفعلها بعض الموكلين أو من يسمونهم بالممثلين للجهات الخيرية في غينيا، وقد
صار ذلك في الوقت المعاصر مما يهز كيان المنظومة الخيرية ويقض مضاجع المسلمين ويخدش
الشرف الإسلامي في دولة إفريقية تئن من وطئة التنصير الذي يسعى جاهدا أن يطوع
الناس بالعمل الخيري الجذاب الذي يرصدون له المبالغ الطائلة، وإن هذا مما جعل لهم الأهمية
في هذه المنافسة الخيرية التي عنونت بها المقال.
وأوضح أنني سأكتفي في هذه المعالجة بالعمومية في نقد ظاهرة الاختلاس في العمل
الخيري الإسلامي وتقديم الصورة العامة لها على النحو الذي لا يكون فيه المساس
بكرامة أحد أو التطاول على خصوصياتهم، ولهذا لن أذكر هذا ولا ذاك بعينه، كما أنني
أيضا لن أشير إلى جمعية بعينها، ولكن سأحاول بشكل أو بآخر أن أنبه الوسنان وأوقظ
النائم رافعا العقيرة ليعلم بها الناس.
وحتى يكون هناك الفهم الواعي لهذه
الدولة الإفريقية التي تشكل المحور الأساس للقضية الخيرية المراد تحليلها ها هنا،
فإنني أرتئي أن أسلط الضوء على جمهورية غينيا كوناكري دارسا إياها دراسة جغرافية ودينية
مقتضبتين:
أولا: الدراسة الجغرافية:
تقع جمهورية غينيا كوناكري على الساحل الغربي لإفريقيا فوق مساحة تقدر
بحوالي 245857 كيلو متر مربع، وتحدها ست دول إفريقية هي: ساحل العاج، ومالي، والسنغال،
وغينيا بيساو، و سيراليون، وليبيريا، وتتميز بالخصائص الطبيعية الفريدة من غابات كثيفة وواسعة وأنهار متعددة، وتشكل
ينبوعا لغرب إفريقيا، ولهذا تسمى بخزينة مياه إفريقيا الغربية( جعفر جالو: نبذة عن
الثروات الطبيعية في غينيا والخطوط العريضة لتنمية الاقتصاد في جمهورية غينيا ص: 4
، نقلا عن واقع الدعوة الإسلامية في غينيا لعثمان حسن كانه ص: 18. بتصرف). وتنقسم
الجمهورية إلى أربعة مناطق إدارية وهي:
1-غينيا
الساحلية، وتضم العاصمة كوناكري والضواحي.
2-غينيا الوسطى وتشمل لابي وما جاورها.
3-غينيا العليا وهي كانكان والضواحي.
4-غينيا الغابية وتشمل أنزريكوري ونواحيها.
وتعتبر
كوناكري عاصمة الجمهورية وتقع على جزيرة "تمبو" فهي مركز الحياة السياسية والاقتصادية، ويبلغ سكان الجمهورية حسب إحصاء هذا العام
2014 اثني عشرة مليون نسمة ونيف( عن وزارة التخطيط الغينية في تقريرها المنشور
للإحصاء السكاني لهذا العام 2014م )
ثانيا: الدراسة
الدينية:
إنّ دخول الإسلام إلى غينيا أو إلى أي بلد إفريقي آخر، سيظل رهينا بدخوله
إلى ممالك إسلامية هيمنت في فترة من فترات التاريخ الإفريقي على غرب إفريقيا،
فغينيا مثلا لم تكن في قديم الزمان معروفة بهذا الاسم الذي تتسمى به اليوم، وإنما
كانت وكغيرها من المناطق الإفريقية جزءا من ممالك كان لها أثر كبير في نشر الإسلام
بإفريقيا، ممثلة في مملكة غانا ومالي هذا من جهة، ومملكة الحاج عمر تال والإمام ساموري توري من
ناحية أخرى، ولذا؛ فإن التاريخ الإسلامي لغينيا سيظل بكافة مجرياته ووقائعه مرتبطا
ارتباطا وثيقا بتاريخ هذه الممالك التي لا شك أنها قد أدت في مضمار نصرة الدين
وبلورة العقيدة دورا مقدرا.
وفي أواخر القرن الثامن عشر
الميلادي وأواسط التاسع عشر، نشطت الدعوة الإسلامية ولم يتأثر ذلك بسقوط المملكتين
الغينيتين: مملكة الحاج عمر تال ومملكة الإمام ساموري توري، إذ صارت الدعوة شأنا
من شئون كافة القبائل الغينيىة المسلمة التي كانت تدعو قومها في منطقتها إلى
الإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجا، وهذا بفضل الله ثم بسبب الجهود الجماعية
التي مثلتها كافة المسلمين الغينين.
وليس من الصواب في شيء إذن الاعتقاد
بأن قبيلة بعينها هي التي أدخلت الإسلام إلى غينيا، فالإسلام أكبر من أن يختص بشخص
أو بقوم أو بجنس بعينه، كما ليس من المنطق في شيء أيضا القول بأن طائفة معينة هي
وحدها قامت بأسلمة الآخرين كما هو شائع في كثير من الكتابات، فهذا من الأباطيل
التي يجب أن يطهر منها التاريخ الإسلامي الغيني، ولقد كان إسلامها فيما مضى مصبوغا
بصبغتين أولاهما تتجسد في التصوف بينما تكمن الثانية في المذهب المالكي، وتوجد بها
اليوم تيارات إسلامية مختلفة من سلفية، وشيعة، وتبليغ، وصوفية هلم جرِّ، وتدين
الجمهورية بالعلمانية، ويشكل المسلمون الغالبية العظمى من إجمالي السكان (ينظر
لمزيد من التوسع في هذه القضية أطروحتي: الإسلام والمسلمون بغينيا الواقع والآفاق،
وكتابي: الأدب الفوتاجلوني)
امتداد المنافسة الخيرية فيها:
إن جمهورية غينيا كوناكري معدودة
اليوم من البلدان الإفريقية التي باتت مرتعا خصبا للمنظمات والمؤسسات الخيرية التي
تتهافت عليها، وتشكل أواخر الثمانينات امتدادا لكل التحولات السياسية، والعقدية،
والأخلاقية، والخيرية.
وتجسد وفاة الرئيس الغني الأول
أحمد سيكو توري-رحمه الله- عاملا مباشرا فتح أبواب البلاد على مصراعيها لهذا
التحول الذي تتمخض عنه في الوقت المعاصر جملة من الانعكاسات الأقرب إلى السلبية في
كثير من نواحي حياة الغينيين، خصوصا في المجال العقدي الطافح اليوم بالإيديولوجيات
الدينية المتعددة التي تفد إلى البلاد، ولقد كان ذلك من الأمور المحظورة في عهده،
إذ اختار الإسلام والإشتراكية في كثير من المسارات، وظلت الممارسات العقدية خلال
ستة وعشرين عاما من عمر نظامه مؤطرة بفلسفة دينية لم تكن تقبل هذه التعددية
العقدية التي أسفرت عنها في الوقت الراهن علمنة الجمهورية، وهي الرؤية التي رسمها
الجنرال الراحل لانسانا كونتي-رحمه الله- والذي اختار: الإسلام والمسيحية فاتحا
بذلك الباب لما أسموه بالحرية الدينية التي كانت محاولة لتحسين صورة الجمهورية لدى
الغرب، فساووا بين الديانتين بالرغم من كون الإسلام ذا الغالبية العظمى.
ومنذ ذلك الحين، صارت جمهورية
غينيا تستأثر باهتمام المنظمات التنصيرية التي وفدت إليها للمنافسة العقدية التي
تتم عبر الأعمال الخيرية، واستهدفها المتبرعون من كل الفعاليات الدينية وكل الطرف
يروم ترسيخ الإيدولوجية العقدية التي يعتنقونها من خلال العمل الخيري.
وإن هذا مما جعل الساحة الدينية بغينيا تشهد منافسة قوية في الأعمال الخيرية
التي تهدف إلى كسب المهتدين الجدد إلى دين المتبرع الذي قد يكون مسلما أو نصرانيا،
علما أن وسائلهم في هذه المنافسة التي أساسها تقديم الدعم الخيري إلى المستهدفين
المعوزين، تختلف باختلاف الخطط المرسومة، بيد أن الغاية التي ترصد من أجلها الأموال
الخيرية الطائلة تبقى واحدة، متجسدة إما في أسلمة المستهدفين تارة وإما في تنصيرهم
تارة أخرى، وتظل الوسيلة الخيرية هي فيصل التفرقة في هذه المنافسة.
وحتى تتضح أبعاد هذه المنافسة وتتحدد آفاقها وتنجلي معالمها وتبرز أهداف
المتنافسين على الساحة الدينية على الوتيرة الهادفة والقويمة، وحتى أمكّن القارئ
من التصور الواعي والفهم المفيد لهذه الأبعاد ولتلك الآفاق الخيرية، فإن الأمر
يقتضي مني سعيا لأقصى الفائدة، أن أرسم هنا حدود هذه المنافسة في نوعين أساسيين:
النوع الأول: المنافسة الخيرية بين الطوائف والجماعات
الإسلامية:
توجد بجمهورية غينيا في الوقت
المعاصر جماعات وطوائف إسلامية متعددة، تتباين بتباين الإيديولوجية الإسلامية التي
تتبعها كل جماعة وكل طائفة، وما ترسمه من وسائل تخوض بها المعركة الخيرية، وحتى
نفهم مدى تأثيرها في الوسط الإسلامي ونقف على الإستراتيجية الخيرية التي ترسمها
لبسط النفوذ، يجدر بي هنا أن أدرسها جماعة جماعة، وطائفة طائفة بغية ملامسة خططها
وأهدافها الخيرية التي تصبو إلى تحقيقها في غينيا، ونجد في هذا النوع مثلا:
أ-
الجماعة
السلفية:
تحتل السلفية الصدارة في الحياة الإسلامية بغينيا، وهي أكبر وأقوى هذه
الجماعات والطوائف، ودخلت الإيديولوجية السلفية الجمهورية من خلال رحلات الحج إلى
البلاد المقدسة، وانتشرت على أوسع النطاق في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وهو
العهد الذي عقب سقوط الإمبراطوريات الغينية التي صبغت الإسلام الغيني بالتصوف من
ناحية والمالكية من جهة أخرى كما سبق أن ذكرت ذلك آنفا.
ومنذ ذلك الحين، وهذه الإيديولوجية في الانتشار الملحوظ، وبلغت الأوج في أواسط
الثمانينات التي شكلت امتدادا للبعثات الدراسية إلى المشرق العربي، حيث استفاد عدد
غير محصي من الشباب من المنح الدراسية التي تقدمها الدول ذات الرؤية السلفية، وكان
من نتائج ذلك أن مدت تلك الدول جسور علاقتها بالجمهورية الغينية، وأسفر عن ذلك
توافد المنظمات الخيرية على غينيا ومن ثم إقبال المتبرعين والمحسنين إليها من أجل
إغاثة الشعب الغيني من خلال الأعمال الخيرية التي باتت اليوم وسيلة دعوية فعالة
ومؤثرة.
ولهذا، نجد بغينيا اليوم الكثير من المنظمات السلفية الوافدة إلى غينيا للعمل
الخيري والإنساني، وتمثلها: رابطة العالم الإسلامي، وهيئة الإغاثة العالمية، ولجنة
مسلمي إفريقيا، وجمعية إحياء التراث الإسلامي، إضافة إلى منظمات سلفية خيرية أخرى
تعمل في المجال الخيري بغينيا، وهذا دون نسيان متبرعين ومحسنين سلفيين-ولله درهم- ممن
لا يمثلون جهة معينة ولكنهم مع ذلك يقدمون العون ذاته للشريحة الإسلامية المعوزة.
ولقد قام هؤلاء وأولئك-جزاهم الله خيرا- بالأعمال الخيرية المقدرة التي تمخض
عنها ازديان الجمهورية بالمساجد والمدارس والمراكز التي تعنى بحفظ كتاب الله عز
وجل، إضافة إلى مشاريع حفر الآبار ورعاية الأيتام ومساعدة عامة المسلمين من خلال
الأضاحي والإفطار، ولن يكون في مقدوري أبدا تقديم الحصيلة الخيرية لهذه المنظمات
أو لأولئك الأفراد ممن يسخرون ثراءهم لخدمة إخوانهم المسلمين المحتاجين، نسأل الله
لهم الجزاء الأوفى.
الجماعة الشيعية:
تعتبر الشيعة الإمامية من المكونات العقدية التي صارت تنتشر في المحيط
الإسلامي بغينيا رويدا رويدا، وتعود فصول هذا الانتشار حسب بعض المعطيات إلى أواخر
السبعينات التي جسدت امتدادا لظهور الحركة الشيعية في هذه الجمهورية، ولقد نمت
الإيديولوجية الشيعية في أواسط التسعينيات التي سجلت الجماعة خلالها القفزة
الملموسة في انتشارها، وكان ذلك نتاجا متمخضا عن تطور العلاقات الإيرانية الغينية
التي نلمس عمقها في الوقت الراهن في المضمارين: الخيري والسياسي.
لقد باتت القضية الشيعية تشكل
مسألة دينية مهمة في الحياة الإسلامية بغينيا، عظيمة الشأن، لأنها أضحت تحظى
باهتمام الكثير من الغينيين الذين يعتنقونها، خصوصا في إقليم فوتا جالون الأكثر
تأثرا اليوم بالتشيع.
ولقد أنجزت الشيعة في المضمار
الخيري الإنجازات المقدرة التي أضفت على النهضة الإسلامية طابعا مميزا، ولقد شيدت
في كثير من المناطق الغينية العدد المهم من المساجد والمدارس، ويعتبر جامع الإمام جعفر
الكائن في حي مصنع الإسمنت رمزا حيا ينم عن الخيرية الشيعية في هذه المنافسة، وهو
معلمة خيرية مهمة، وهذا دون إغفال المنح الدراسية التي تمنحها الجمهورية الإيرانية
لطلاب الجماعة.
ب-
الجماعة
الصوفية:
لقد ضعف الفكر الصوفي في غينيا بفعل تأثير الفكر السلفي الذي يهيمن بقوة على
الساحة الإسلامية، ويستمد هذا التأثير الجذور من عوامل متعددة أوجزها في رحلات
الحج والبعثات الدراسية التي يقوم بها الحجاج والطلاب الغينيون الذين يعودون
مفعمين بالفكر متشبثين به.
وعند ما نصافح الظاهرة التاريخية
سنجد أن التصوف هيمن في فترة من الفترات على المسار العقدي بغينيا، خصوصا في عهد الإمبراطوريتين
الصوفيتين المتجسدتين في الطريقة التجانية بإقليم فوتا جالون والطريقة القادرية في
إقليم غينيا العليا، الأولى تزعمها الشيخ الفوتي الحاج عمر تال بينما ترأس الثانية
الإمام ساموري توري.
ومنذ ذلك الوقت، والتصوف يسير
إلى الاضمحلال والأفول، ولهذا لا نجد لهم ما يمكن أن يسجل في هذه المنافسة، بيد أن
الزيارة التاريخية التي قام بها العاهل المغربي لجمهورية غينيا في هذا العالم
2014م، جسدت انطلاقة جديدة لعودة الفكر إلى المعركة العقدية في المضمار الخيري، إذ
أسفرت هذه الزيارة عن إبرام اتفاقيات بين الطرفين كان أهمها في المجال الإسلامي:
مشروع تكوين الأئمة والدعاة الغينيين في المغرب، وسيستفيد من هذه المنحة خمسة مائة
شخص، وسيتم إرسالهم على أفواج، والفوج الأول المتكون من مائة شخص سيرحلون إلى
المغرب قريبا.
وعودة أخرى للفكر الصوفي تكمن في الوجود التركي الذي بات ينخرط في هذه
المنافسة رويدا رويدا من خلال الأعمال والمشاريع الخيرية التي تنجزها بعض المنظمات
الصوفية من تركيا، والتي بدأت فعلا تشيد المدارس والمساجد وتحفر الآبار، وأهم ما
يدون عنها في المجال الخيري اليوم هو ذلك المسجد الضخم الذي يشيد الآن في حي
"بامبطو".
ت-
الجماعة
التبليغية:
إن الدور التبليغي في المنافسة الخيرية ضئيل للغاية، وليس له ما يسطر عنه غير
ذلك الخروج الذي يدعو إليه أتباع الجماعة، والرباط الذي يقومون به في المساجد وما
يتخلل ذلك من المواعظ والإرشادات الوجدانية.
فهذه هي الطوائف الإسلامية التي تشكل المكونات العقدية للإسلام الغيني، وتختلف
فيما بينها من حيث قوة التأثير العقدي أو من حيث الانتشار عبر الجمهورية، ولكل
منها اليوم الأتباع والمريدون.
أسباب إخفاق
المشاريع الإسلامية:
منذ أن صارت المشاريع الخيرية من الوسائل الدعوية والمنظمات والمؤسسات الوافدة
متنافسة في هذا المجال، ممثلة تارة في دعاة الإسلام من الجماعات السلفية والشيعية
والصوفية، ومتجسدة تارة أخرى في المنصرين من الطوائف المسيحية من الكاثوليك،
والبروتستانت، وشهود المسيح، والمبلغ عن الرب، هلم جر. وسواء تعلق الأمر بهؤلاء أو
بأولئك فإن هناك منافسة خيرية قوية اليوم بين الأطراف الدينية التي تسعى كل واحدة
منها إلى كسب أكبر عدد من المستهدفين.
وبخصوص النجاح أو الإخفاق في تبليغ الرسالة الخيرية ومن ثم تحقيق غايتها
المتوخاة والمرتكزة أساسا على تقديم العون الخيري للشريحة الاجتماعية المعوزة،
فأقول بأن معرفة هذا النجاح أو ذلك الإخفاق مرهون بدراسة الإستراتيجية العملية
المرسومة لهؤلاء وأولئك. وحتى نفهم ذلك فهما واعيا ونستوعبه أيضا، فلا بد من تحليل
المنهجية العملية لكلا النوعين: النوع الإسلامي والنوع المسيحي.
وأشير هنا إلى أن المشاريع الخيرية التي تقوم بها الجماعات الإسلامية(سلفية
كانت أو شيعية أو صوفية وغيرها) لا تكاد تفي بالمقصود الإسلامي ولا تحظى أيضا
بمستوى طموح المستفيدين من المسلمين، فلست أقلل من حجم الجهود الخيرية التي يبذلها
إخواننا الذين يجيئون لمساعدة مسلمي غينيا، من أية جماعة كانوا ومن أية طائفة
أيضا، وإنما لكون المال الخيري لا يبلغ المستهدفين على الوجه الذي يريده المحسن أو
المتبرع.
إن هذه القضية التي أدرسها والمتعلقة بالاختلاس في العمل الخيري، أعرفها بكل
مجرياتها لكوني ابنا لهذا البلد ومن العارفين بشعابها، بل ويعرفها أيضا حتى عامة
الناس، وهذا مما يقض مضاجع المنظومة الخيرية ويؤرق المسلمين في الوقت الحالي.
وإيمانا مني بهذا المبدأ:(الدين
نصيحة) وكوني أحد الغيورين على كل ما يخدم
مصالح هذا الدين وينبذ كل ما يعكر سمعة الإسلام ويخدش شرف المسلمين بين أهل
الديانات الأخرى، وبما أنني لا أملك وسيلة أخرى لإثارة انتباه ذلك المحسن أو
المتبرع الذي يخدعه موكله أو ممثله المعتمد في غينيا، إلا وسيلة الكتابة التي أسأل
الله أن يوصل رسالتها إلى من أقصد، فإن هذه الغيرة وذلك الضمير الإسلامي جعلاني
أقوم بهذا النصح، فأقول إذن بأن هناك في المشاريع الخيرية الإسلامية عوامل في غاية
السلبية تكاد تحكم على الأعمال الخيرية في هذه المنافسة بالخسارة المبينة
والفاحشة، وأذكر منها مثلا:
أولا: غياب تقوى الله عز وجل فيما يوجه إلى بعض الممثلين من
المال الخيري الذي يحول الجزء الأكبر منه إلى الذات.
ثانيا: انعدام النوعية والجودة العملية فيما يتعلق مثلا ببناء
المساجد التي يغير فيها مراد المتبرع بتغيير المساحة وتنقيص الاسمنت والحديد مما
يجعل البناء هشا للغاية.
ثالثا: تحميل المستفيدين بأجزاء من أعمال المشروع كتحميلهم
بالإتيان بالرمال والأخشاب وأن يتولوا مبيت العمال وإعاشتهم فيتحملونه على مضض
منهم.
رابعا: مخادعة المتبرع أو الجهة الممولة بمضاعفة تكاليف المشاريع
الخيرية غشا وكذبا، فمثلا المسجد الذي قد تبلغ تكلفة بنائه مائة ألف دور يضاعف ذلك
إلى مائة وخمسين، وحتى مشاريع الإفطار
والأضاحي لم تسلم من هذا العمل غير المسئول.
خامسا: أن المال الخيري الموجه إلى الأيتام الذين قال الله عز
وجل من قائل في حقهم:( إن الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم نارا
وسيصلون سعيرا ) الآية. فإنه لا يكاد يسلم أيضا من الاختلاس، ويكفي أن يزور المرء
دور أيتام المسلمين ليرى الحقيقة بنفسه.
سادسا: المركزية في الدعوة والعمل الخيري حيث نلحظ أن المدن تكاد
تكون أكثر استفادة من المشاريع الخيرية والدعاة بناء على ذلك أكثر حضورا فيها بعكس
القرى التي هي بأمس الحاجة إليها إضافة إلى ندرة الدعاة فيها مما يجعل القرويين
عرضة للتبشير.
فتلك هي أسباب إخفاق المشاريع الخيرية الإسلامية في جمهورية غينيا كوناكري،
وتتراوح ما بين الذاتية والموضوعية، فالذاتية تكمن في هذه الأمور الخمسة المذكورة.
وأما الموضوعية فتتجسد في كون الجهات الخيرية الممولة لا تقوم بالمراقبة التي
من الممكن أن تضمن أموال المسلمين مع أن المراقبة لا تعني عدم الثقة، والتي قد لا توفد
أحدا، وفي حالة ما فعلت ذلك، فإن الوفد الزائر لغينيا قد لا يتوغل في داخل البلاد
للوقوف على الأعمال التي جاء من أجلها، لأن ممثله أو موكله قد يرهبه مثلا ببعد
المسافة أو هشة البنية الطرقية أو بدعوى الأمراض التي قد تصيبه إن هو غامر وسافر
إلى المناطق الداخلية أو غير ذلك مما يرهبه به، وكل ذلك محاولة منه لإعاقة المتبرع
من معرفة الحقيقة، وهذا خلاف المتبرع النصراني الذي يتحدى ويغامر ويسافر ليرى
العمل الذي أنفق فيه أو رصد له الأموال.
النوع الثاني: الدور التنصيري في المنافسة:
إن الدعوة من خلال المشاريع الخيرية أضحت عاملا مهما لنشر العقيدة الدينية في
محيط المستفيدين الذين يراد إما أسلمتهم وإما تنصيرهم، وتشكل السلاح الدعوي الأكثر
تأثيرا في الوقت المعاصر، لاسيما في الدول الأكثر فقرا والأشد عوزا، وتحقق ما لا
تحققه أية وسيلة دعوية أخرى إنه سلاح العمل الخيري.
ولهذا، نلحظ اليوم أن الإرساليات التنصيرية تتخذ من الأعمال الخيرية المتسربلة
بالمساعدات الإنسانية خصوصا في القرى والأرياف الإفريقية النائية وسيلة لنشر العقيدة
المسيحية، حيث يساكن المنصرون الوافدون من البيض المستهدفين.
ونجد اليوم العدد الهائل من الخدمات الخيرية التي تنصر بها هذه الإرساليات الفئة
المعوزة، ولقد بات هذا الأمر أكثر ملحوظا في منطقة غينيا الغابية ومحافظة
"بوفا" في إقليم كنديا وكلاهما بجمهورية غينيا كوناكري، وهما الجهتان
الأكثر تأثرا بالديانة المسيحية التي تنتشر بين سكانها بسبب تلكم الأعمال الخيرية التي
تقدمها الإرساليات الوافدة.
وللعلم فإن مدينة "بوفا" الكائنة في إقليم دوبريكا، تحظى باهتمام
كبير من المبشرين خصوصا ومسيحي العالم عموما لوجود كنسية زان جوزيف بها والمعدودة من أقدم الكنائس بغينيا أسسها المستعمرون
الفرنسيون عام: 1875 م، وتشكل مكانا مقدسا في
الفكر المسيحي بغينيا حيث يحجون إليها كل عام من أنحاء العالم، ولقد وهبت الدولة
الغينية مبالغ مهمة لترميم وتوسعة تلك الأماكن وهو أمر نوه به المسيحيون كثيرا إذ
كان ذلك الأول من نوعه يحظون فيه بمثل هذا
الدعم المادي الهائل. ويحاول الإخوة المتبرعون الأتراك عبر هذه المنظمة المدعوة :
الجمعية الغينية لأصدقاء الأتراك أن ينافسوا المد التنصيري في مدينة "بوفا"
من خلال المشاريع الخيرية التي يقومون بها هناك.
وتتعدد الإرساليات والمعابد المسيحية في جمهورية غينيا كوناكري بتعدد طوائفها،
وكل إرسالية تبشر إلى عقيدتها من خلال الأعمال الخيرية التي تقدمها للمستهدفين على
غرار ما تفعله المنظمات الإسلامية، ولقد أنجزت هذه الإرساليات عددا مهما من مشاريع
خيرية ممثلة في كنائس ومعابد نجدها في مدن وقرى الجمهورية، ولقد أوردت السفارة
الأمريكية المعتمدة لدى غينيا أسماء بعض الطوائف المسيحية النشطة في غينيا كوناكري
في تقريرها المنشور حول الحرية الدينية لعام: 2007، ومن المفيد أذكر هنا تلك
الطوائف والكنائس التي تمتلكها استنادا إلى هذا التقرير وكذا إلى تلك
المعلومات التي زودني
بها السيد روزي ساكو من أتباع طائفة المبلغين عن الرب، وهو إيفواري الأصل نزل
بغينيا لاجئا عقب الحرب الأهلية في بلاده وأسس صحبة مسيحي آخر من أصل توجولي مدرسة
أولية داخل كنيستهم يدرس بها السواد الأعظم من أبناء المسلمين من سكان الحي، وهي
على النحو الآتي:
1-الطريقة الإنجليكانية، ولها كنسية الإنجليكانية بمدينة بوفا تأسست عام:
1862م وهي معدودة من أقدم كنائس الجمهورية.
2-إرسالية الكاثوليك الروماني وتمتلك عبر الجمهورية: 58 كنسية وأقدمها: كنيسة
زان جوزيف المذكورة، وتضم مدرسة أولية متطورة يدرس بها أبناء المسيحيين والمسلمين
من سكان مدينة بوفا ومهجعا للتلاميذ، والمثير للاستغراب هو أن التلاميذ المسلمين يؤدون
مع زملائهم من التلاميذ المسيجيين الطقوس المسيحية قبل البدء في الدروس، وللمرء أن
يتساءل هنا عن مصير أولاد مسلمين يتعلمون في مدرسة تنصيرية وعلى يد المنصرين أيضا.
ويا حبذا لو توجد مثل هذه المدارس للمسلمين في هذه المدينة وفي غيرها حتى يسلموا
من مشكلة التنصير المحققة. وا إسلاماه، وا إسلاماه، وا إسلاماه!!!!!!!!
3-إرسالية البروتستانت ولها عبر البلاد: 27 كنيسة
4- معبد شهود المسيح وتملك:11 كنيسة
5-إرسالية المبلغين عن الرب ولها:32 كنيسة
6-إرسالية ندوة الرب ولها:35 كنيسة
7- كنيسة الحياة الوافرة: 3 كنائس
8-إرسالية المعقين 15 كنيسة
وهذا على سبيل المثال فقط وليس الحصر، وهذه جملة من الإرساليات المسيحية
النشطة في جمهورية غينيا والتي تنشر العقيدة المسيحية من خلال الأعمال الخيرية، وأبرز
ما يمكن الاستدلال به في هذا السياق من الخدمات التي صارت تحقق الغاية المسيحية يمثله
ذلك المستشفى الخيري التنصيري المشيد في ضاحية مدينة انزريكوري وتحديدا بقرية
"زاه"((Zao)) في بلاد مانو، ويقدم الخدمات
الصحية المجانية للمرضى من كل الشرائح التي تفد إليه من المسلمين والمسيحيين
وغيرهم من الملاحدة، وأول ما يثير انتباه الزائر هو أن هذا المستشفى موضوع أمام
بوابته لافتة كبيرة مكتوب عليها بالفرنسية: "نحن نفحص والمسيح يعالج"، إضافة إلى هذا فإنهم
لا يستأنفون الأعمال صباحا إلا بعد أداء الطقوس المسيحية مارين في غرف المرضى
وحجراتهم شارحين لهم أنهم مجرد خدمة للمسيح الذي يشفي، موزعين عليهم المطويات
المتضمنة المعلومات الضرورية عن الديانة المسيحية، فكم من مرضى شفي برؤهم فآمنوا
بالدعوة وصدقوا المنصر، فضلوا وأضلوا.؟؟؟؟((عن بحث أنجزته في عام 2009 بالتعاون مع
لجنة مسلمي إفريقيا المكتب الفرعي بمدينة أنزريكوري بعنوان: قبيلة الغريسي في
أنزريكوري والضواحي)) وهذه القبيلة التي أنجزت في حياتها هذا البحث تعد أكثر
القبائل الغينية مسيحية وأشدها كفرا وإلحادا وأكثرها كرها للإسلام والمسلمين،
والحمد لله لقد بدأ الكثير منهم في السنوات الأخيرة يهتدون حتى إنهم أسسوا منظمة
دينية أسموها بــــ جمعية المهتدين الجدد المنحدرين من غينيا الغابية، ونسأل الله
جل جلاله أن يشرح صدورهم للإسلام.
صورة للمستشفى الخيري التنصيري في ضاحية مدينة انزريكوري

عوامل نجاح المشاريع الخيرية المسيحية:
وأما المشاريع الخيرية المسيحية، فإنها تختلف بكثير عن نظيرتها الإسلامية في
نواحي متعددة ممثلة:
أولا: في كون المتبرعين المسيحيين يقومون بالمتابعة الدقيقة
لمشاريعهم إذ يجيئون إلى غينيا ويسافرون إلى حيث تكون مشاريعهم غير مبالين بالبعد
والمخاطر مغامرين في الكهوف والمغارات حيث يلتقون بالقرويين ويسكنون معهم ويأكلون
ويشربون مما يأكلونه ويشربونه، وقد يقيمون بينهم شهورا حتى يتمكنوا من تنصيرهم
وهذا من أسرار نجاحهم خلاف المتبرع المسلم الوافد الذي يشترط لسفره وجود الطائرة
والغرف المكيفة... كأنه جاء للسياحة وليس للدعوة التي يجب أن يتجشم في سبيلها
الصعاب والمشاق.!!!
ثانيا: تميز الكثير من ممثليهم بالسلوك الديني المبني على
استحضار الضمير المهني والاحتكام إلى المسئولية العملية، فيكفي أن يزور المرء دور
أيتامهم المسماة بــــ S .O.S والمنتشرة في كبريات مدن
الجمهورية ليرى ما تمتاز به هذه الدور من العناية الفائقة التي تعبر عن الجدية
والمسئولية معا، عكس دورنا التي تنقل إلى المرء ما يندى له الجبين مهانة وانكسارا
والله المستعان.
ثالثا: وجود السفير الخاص بالبابا في غينيا والذي يتابع عن كثب
الحركات التنصيرية المسربلة بالخدمات الاجتماعية.
رابعا: تضاعف عدد الكنائس ودور الأيتام التي تتزايد في أراضي
غينيا للاجئين من كل من ساحل العاج، وسيراليون، وليبيريا، وغينيا بيساو، ممن نزحوا
إليها نتيجة الحروب الأهلية المميتة.
خامسا: تزايد الأعمال الخيرية المسيحية عبر البلاد على غير
المعهود.
سادسا: قيام بعض المسلمين الطامعين
ببيع أراضيهم أو كرائها على بعض المنصرين الذين يبنون عليها الكنسية، وهذه الظاهرة
التي تكاد تدس الكرامة الإسلامية في التراب، نلحظها كثيرا في العاصمة كوناكري.
سابعا: كون بعض الأفراد من القبائل الغينية الكبيرة المعروفة:
السوسو، والفولا، والماننكا، تحولوا إلى الديانة المسيحية، وبالرغم من ضآلة
نسبتهم، إلا أن ذلك يبقى قضية مقلقة للغاية وجديرة بإثارة اهتمام المنظومات
الخيرية الإسلامية.
ثامنا: الاتصال المباشر بالأسر الغينية يقوم به المبشرون الذين
يتم إعدادهم لهذه المهمة، حيث يدخلون المنازل ويشرحون الديانة المسيحية لسكانها
موزعين عليهم الكتيبات المتضمنة تعاليم دينهم.
إثارة الانتباه:
إن المسئولية الدينية التي نستلهمها من نصوص النصح وإنكار المنكر، حفزتني على
كتابة هذا المقال، فبما أنني لا أملك وسيلة لهذا النصح أو لذلك الإنكار إلا وسيلة
الكتابة التي أرجو أن تصل إلى ذلك المحسن أو ذاك المتبرع الذي لا شك أنه يجهل
حقيقة ما يجري خصوصا أنه يخادع بتلك التقارير الكاذبة.
ولهذا ارتأيت أن أنبه إلى إعادة النظر
في الأموال التي يرسلونها سواء إلى غينيا أو إلى أي بلد إفريقي آخر قصد إنجاز
المشاريع الخيرية، وأن يضعوا تدابير تنظيمية أخرى أكثر ضمانا للمال الخيري حتى
يبلغ المستهدفين بأمن وأمان، وعلى هذا فإنني أقترح:
أولا: التنسيق مع الأمانة العامة للشئون الدينية بغينيا وبين السفارة
السعودية المعتمدة لديها في تنفيذ ومتابعة المشاريع الخيرية ومن ثم إفادة الجهات
الممولة باللازم.
ثانيا: الاستقصاء حول الجمعيات والمنظمات الإسلامية التي تطلب
الدعم الخيري والتأكد من وجودها الفعلي وتفويض كل إجراءاتها إلى الأمانة والسفارة.
ثالثا: عدم إرسال المال الخيري إلى الأفراد دون إشعار السلطة
الدينية بغينيا.
رابعا: القيام بالزيارة الميدانية المفاجئة لمعاينة الأعمال
والتأكد من تنفيذها.
خامسا: البحث عن تدابير تنظيمية أخرى تكون أكثر ضمانا للمال
الخيري من العبث والاختلاس.
سادسا: عدم المركزية في الأعمال الخيرية التي تستهدف المدن
والبوادي والمبشرون بناء على ذلك مورعون فيهما.
وعملا بالمبدأ الإسلامي العام الذي رسمه الناصح الأكبر والأمين عليه وآله
الصلاة والسلام والقائل:(الدين نصيحة)، فإنني أوصي الإخوة الممثلين أو الموكلين للجهات
المتبرعة بالآتي:
ا-أن يراعوا الله تعالى في هذه الأموال الخيرية التي ترسل إليهم لبناء بيوت
الله أو رعاية أيتامه أو لمساعدة عباده المعوزين المحتاجين.
ب- أن يعلموا أنهم الوسطاء بين أولئك المحسنين وبين عباد الله المستفيدين، فهم
إذن مؤتمنون على أموال المسلمين، فلا يصرفوها إلا في وجوهها فهي أمانة كبيرة في
أعناقهم وهم بلا شك عنها مسئولون عند ربهم يوم القيامة، فتحويلها عن وجوهها يعتبر
حراما لقوله تعالى:(ومن غل يأتي بما غل يوم القيامة) ولأن ذلك معدود أيضا من
الخيانة لقوله صلى الله عليه وسلم:(...وإذا أؤتمن خان) وأنا مؤمن أشد ما يكون
الإيمان بأن المسلم خصوصا الداعية الذي يعلم حدود الله، ويرشد إلى احترامها وعدم انتهاكها،
لن يكون هو المنتهك لها باختلاس الأموال الخيرية لاسيما في مثل هذه البلاد التي يتنافس
فيها المتنافسون من المسلمين والنصارى ويقتات من ذلك ويستثري بها، بل ويتغذى على
ذلك الذي أسماه النبي صلى الله عليه وسلم بأوساخ الناس.!!!!!!
فبم سيجيب عندما يمثل بين يدي الرحمن يوم يسأله عن هذا الثراء المكتسب من
المال الخيري المختلس الذي كان من المفترض أن تعمر به مساجد الله في أرضه أو يعاون
به المسلمون المحتاجون، أو يراعى به الأيتام والأرامل وتحفر به الآبار وتبنى به
مراكز لحفظ كتاب الله وغير ذلك مما ينافسنا فيه اليوم النصارى وينصرون به شعبنا، فاختلاس
ذلك والاستثراء منه يعد من النعيم الذي يسأل عنه المرء كما قال تعالى:(ثم لتسألن
يومئذ عن النعيم) التكاثر
سائلا الله جل جلاله أن يكون في هذا المقال ما يلفت انتباه المتبرعين ويثير
اهتمام المحسنين إلى العمل الخيري المراقب ويوقظ ضمائر الممثلين أو الموكلين ويعيدهم
إلى مراجعة النفس واستحضار المسئولية الدينية في أموال المسلمين المرسلة إليهم (وما
أريد إلا الإصلاح إن استطعت وما توفيقي إلا بالله إليه أدعو وإليه المتاب).
كوناكري/12/10/2014
الموافق:/17/ذو الحجة/1434هـ
الدكتور/ كوناتي موسى عمر
كاتب وباحث من جمهورية غينيا كوناكري
00224666560504
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire